اللعب في الإسلام
جاء الدّين الإسلاميّ شاملاً لجميع مجالات الحياة دون إهمال أيٍّ جزء منها؛ حيث ركّز على مجال الرياضة بشكل واسع، ووضّح أهمية الرياضة وممارستها من قبل الرجال والنساء والصبيان، وحثّ على ممارستها دون تكاسل أو إهمال، لما لها من دور مهم في بناء وإعداد جيل قويٍّ ومتين يبقى على أهبّة الاستعداد للدفاع عن دولته، بالإضافة إلى أهمية الرياضة في الحفاظ على الصحة البدنية والنفسية.
فقد حفلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة الشريفة بالمواقف والوقائع والأحداث والأقوال التي تشهد بمكانة الرياضة والنشاط البدني في الإسلام. فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قوياً يحب القوة ولا عجب، فالإسلام دين قوة وغلبة فضلاً عن كونه شريعة ودستور حياة.
أقر الإسلام الرياضة وشجع عليها في الإطار العادل الذي وضَعه للمصلحة، ويُلاحَظ أن الألعاب لا تُثمِر ثمرتها المرجوّة إلا إذا صحبتها الرياضة الرُّوحيّة الأخلاقيّة، وإذا كانت هناك مُباريات يجب أن يُحافَظ على آدابِها، ومن أهمِّها نبذ التعصُّب الممقوت، فإذا حدَث انتصار لفرد أو فريق وكان الفرح بذلك على ما تقتضيه الطبيعة البشريّة، وجب أن يكون في أدب وذوق، فالقَدَر قد يُخبِّئ للإنسان ما لا يسُرُّه، وقد تكون الجولات المستقبَلة في غير صالح الفائز الآن، وهو لا يُحِبّ أن يشمت به أحد، فيجب عليه أن يُحِبّ للناس ما يُحبُّه لنفسه ويَكره لهم ما يكرهه لنفسه. وقد رأيتم أن الأعرابي سبق بقَعوده ناقة النبيّ صلى الله عليه وسلم التي كانت لا تُسبق، ولما شقَّ على المسلمين ذلك تمثلت الرّوح الرياضيّة الصحيحة كما يعبِّر المتحدِّثون عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: "إن حَقًّا على الله ألاَّ يرفع شيئًا من الدُّنيا إلا وَضَعه" وذلك ليهدئ من ثائرة المتحمسين له، وقد سبق أنه قال لعائشة رضي الله عنها عندما سبقها: "هذه بتلك".
والأدب الإسلامي عند الخصومة والمنافسة يحتِّم عدم نسيان الشرف والذوق وعدم الفجور في المخاصمة، فتلك من خِصال المنافقين، ففي حديث البخاري ومسلم: "أربع مَن كنّ فيه كان مُنافقًا خالِصًا ومن كانت فيه خَصلة منهنّ كان فيه خَصلة من النّفاق حتّى يدعَها: إذا اؤتمن خان وإذا حدَّث كَذَب وإذا عاهَد غَدَر وإذا خاصَم فَجَر" (متفق عليه).
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر الرئيس السابق للجنة الفتوى بالأزهر: إن الرِّياضة مَصدر راضَ، يقال: راضَ المُهرُ يَروضُه رِياضًا ورياضةً فهو مَروض، أي ذَلَّلَه وأسلسَ قِيادَه، ورياضة البدن معالجتُه بألوان من الحركة لتهيئة أعضائه لأداء وظائفها بسهولة. وقد قال المختصُّون: إن هذه الرياضة توفِّر للجسم قوته، وتزيل عنه أمراضًا ومخلّفات ضارة بطريقة طبيعية هي أحسن الطُّرق في هذا المجال. والإسلام - كما يقول الدكتور عطية صقر- لا يمنع تقوية الجسم بمثل هذه الرياضات، فهو يريد أن يكون أبناؤه أقوياء في أجسامهم وفى عقولهم وأخلاقهم وأرواحهم؛ لأنه يمجِّد القوة، فهي وصف كمال لله تعالى ذي القوة المَتين، والحديث الشريف يقول: "المؤمِن القوي خير وأحبّ إلى الله من المؤمِن الضعيف" (رواه مسلم).
ويؤكد الشيخ صقر على أن الجسم القوي أقدرُ على أداء التكاليف الدينيّة والدنيويّة، وأن الإسلام لا يُشَرِّع ما فيه إضعاف الجسم إضعافًا يُعجزه عن أداء هذه التكاليف، بل إن الإسلام خفّف عنه بعض التشريعات إبقاءً على صحّة الجسم، فأجاز أداء الصلاة من قعود لمَن عجز عن القيام، وأباح الفِطر لغير القادر على الصّيام، ووضع الحجّ والجهاد وغيرهما عن غير المُستطيع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص وقد أرهق نفسَه بالعِبادة صيامًا وقيامًا: "صُمْ وأفْطِرْ وقُمْ ونَمْ، فإنّ لبدنِك عليك حَقًّا وإنّ لعينِك عليك حقًّا" (رواه البخاري ومسلم).
ويقال أن عقبة بن الزبير رضي الله عنه كان من أكثر الناس اهتماما باللعب وتقديرا لقيمة الألعاب، فكان يرى أنها تجعل من الشخص إنسانا قويا في جسمه وفي خلقه، فكان يقول: "يا بني العبوا فان المروءة لا تكون إلا بعد اللعب". ولقد وجه أبو القاسم عبد الله بن محمد سؤالا إلى معيقب بن أبي الأزهر، وكان أحد معلمي عصره: ما حال صبيانكم في الكُتّاب؟
فأجاب معيقب: ولع باللعب كثير.
فقال أبو القاسم: "إن لم يكونوا كذلك فعلق عليهم التمائم".
وهي إجابة تنم عن أن اللعب أمر طبيعي لدى الصبيان، أما غير الطبيعي فهو أن يكونوا غير مولعين باللعب، فهم في هذه الحالة غير أسوياء وينبغي أن تعلق عليهم التمائم، وكانت التمائم خرزة تعلق على صدر المريض التماسا – جهلا- للشفاء.
ووردت عن سيّدنا محمد عليه الصلاة والسلام العديد من المواقف الّتي أثبتت مشروعية الرياضة لجميع فئات المجتمع الإسلامي، كما أشار بعض الصحابة الكرام إلى أهميّتها، ومن ذلك قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل"، كما نشير إلى أنّ الرسول صلى الله عليه وسلّم كان يُداعب ويلاعب أطفال المسلمين أثناء لعبهم. كان عليه الصلاة والسلام يُعجب بالرّجال شديدي الصلابة، وأقوياء البنية، كما كان يَحثّ أصحابه وجموع المسلمين على سباق الخيل وتعلم رمي الرماح، كما أنّ النبي الكريم لم يهمل إثبات مشروعية الرياضة للنساء؛ لما تعود عليهنّ من فائدة؛ حيث كان يُسابق زوجته عائشة رضي الله عنها، فكانت تفوز عليه في بعض المرات ويفوز هو عليها في مرّاتٍ أخرى إلا أنها تمارس بضوابط شرعية ولا تنافي القرآن والسنة.
* ألعاب انتشرت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم:
- الركض: حيث كان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يتسابقون.
- الرماية: حث النبي عليها لما لها من تأثير على تقوية الذراعين.
- ركوب الخيل: كان عليه السلام يسابق صحابته في ركوب الخيل.
- السباحة: حيث حث عمر بن الخطاب على تعليم الأطفال السباحة.
- السيف: حيث كان يسمح عليه السلام للصغار بالتقاتل بالسيوف الخشبية.
- المشي: حيث كان عليه السلام أسرع صحابته في المشي.