المطلب الاول : مفهوم الازدواج الضريبي
الفرع الأول : تعريف الازدواج الضريبي الدولي:
لا تختلف كتابات المالية العامة كثيرا في تحديد مفهوم لظاهرة الازدواج بشكل عام، فالازدواج الضريبي الدولي ماهو إلا ازدواج في دفع الضريبة لكن على النطاق الدولي، و يمكن الالمام بمفهومه التعاريف الموالية
: - في الازدواج الضريبي يدفع المكلف بالضريبة على نفس الوعاء أكثر من مرة ، لأكثر من إدارة ضريبية و قد يحدث الازدواج الضريبي على المستوى الداخلي أو على المستوى الدولي
- يتحقق الازدواج الضريبي الدولي نتيجة قيام سلطات مالية تابعة لدول مختلفة بتطبيق تشريعاتها الضريبية على نفس الوعاء، ومن المعروف أن كل دولة تستقل بوضع تشريعها الضريبي بما يتماشى مع مصلحتها الخاصة و يحقق أهدافها دون النظر إلى باقي التشريعات الضريبية المقارنة، ومن هنا يجد المكلف نفسه مخاطبا بقانون الدولة الأولى استنادا إلى مبدأ الجنسية وبقانون الدولة الثانية استنادا إلى فكرة التوطن، و بقانون الدولة الثالثة استنادا إلى موقع المال و هكذا، و بالتالي تفرض الضريبة على هذا المكلف عن نفس المادة بواسطة سلطات الدول الثلاثة
- يتحقق الازدواج الضريبي الدولي، عندما تقوم السلطات المالية التابعة لدولتين أو أكثر بتطبيق تشريعاتها الضريبية على نفس الوعاء و عن نفس المدة . من خلال ما سبق نلاحظ أن الازدواج الضريبي الدولي يتمثل في خضوع نفس الدخل أو المال إلـى نفـس الضـريبة أو ضريبة من نفس النوع خلال نفس الفترة من طرف أكثر من دولة.
الفرع الثاني /أنواع الازدواج الضريبي الدولي:
يمكن أن يقسم الازدواج الضريبي الدولي حسب تصنيفين كما يلي:
أولا : المعيار الأول: الازدواج الضريبي الدولي القانوني والاقتصادي
أ/ الازدواج الضريبي الدولي القانونـي:
يحدث الازدواج الضريبي الدولي القانوني عندما يخضع نفس المكلف وبالنسبة لنفس الأساس الضريبي و خلال نفس الفترة إلى نفس الضريبة أو ضرائب متشابهة من طرف دولتين أو أكثر .إن هذا التعريف يسمح لنا بتحديد الشروط الواجب توفرها من أجل حدوث إزدواج ضريبي قانوني و هي:
• نفس الشخص المكلف بالضريبة : أي أن يخضع نفس المكلف بالضريبة لأدائها مرتيـن أو أكثر
• لنفس الضريبة المفروضة: أي أن تكون الضرائب التي يخضع لها المكـلف من نفس النوع أو متشابهة
• نفس المادة الخاضعة للضريبة : بمعنى أن تفرض الضريبة على نفس الوعاء الضريبي، كأن يكون الوعاء ربحا، أو دخلا.
• لنفس الفترة الزمنية المفروضة عنها الضريبة : فإن خضوع المكلف إلى نفس الضريبة مرتين أو أكثر و بالنسبة لنفس الوعاء الضريبي و لكن لفترات زمنية مختلفة لا يعد ازدواجا ضريبيا.
• خضوع المكلف للضريبة في أكثر من دولة : أن يخضع لهذه الضريبة بالشروط السابقة و في دولتين أو أكثر.
نلاحظ أن الشروط السابقة هي نفسها التي تعرف الازدواج الضريبي الداخلي أو المحلي و يقع الاختلاف فقط في تعدد الدول و ليس دولة واحدة. و من ما سبق نستخلص أن الازدواج الضريبي القانوني يحدث عن قيام دولتين أو أكثر بفرض نفس الضريبة أو ضريبة مشابهة أي تقع ضريبتين من نفس النوع على نفس المكلف و بالنسبة لنفس الوعـاء الضريبي خلال نفس الفترة. حالات حدوث الازدواج الضريبي القانوني: يحدث الازدواج الضريبي الدولي القانوني عادة في الحالتين التاليتين:
الحالة الأولـى: إذا اعتبر الشخص مقيما في دولتين إذا كان الشخص مقيما في دولة ما
فيحق لهذه الأخيرة أن تفرض عليه الضريبة المداخيل المحققة داخل إقليمها وخارجه و كذا ثروته داخل الاقليم و خارجه ، بمعنى أن لدولة إقامة المكلف الحق في فرض الضريبة على مداخيـله الإجمالية و كذلك على ثروته الإجمالية التي يمتلكها داخل و خارج إقليمها و هو ما تنص عليه عادة التشريعات الضريبية للدول. و بالتالي يقع المكلف في حالة ازدواج ضريبي دولي قانوني إذا اعتبر مقيما في دولتين فيحق لكل دولة منهما أن تفرض عليه الضريبة ليس فقط على المداخيل المحققة داخلها أو الثروة التي يملكـها في الدولة، بل وجميع المداخيل التي يحققها في الدولـة الأخرى أو الثروة التي يملكها في الدولـة الأخرى، و بهذا يكون قد خضع للضريبة على مداخيله الإجمالية أو ثروته الإجمالية (المحققة في الدولتين معا)
مرتين. مثال: شخص مقيم في الدولة أ و يسافر للدولة ب من أجل العمل، و تبقى اقامته الأصلية في البلد أ بسبب تواجد مسكنه وعائلته و يحصل على الاقامة في الدولة بسبب عمله، وعلى افتراض أنه يحقق دخلين: دخل من عمله في البلد ب و دخل من تأجيره لمحلات تجارية في الدولة أ، فإنه حسب معيار الإقامة سيخضع للضريبة على مجموع مداخيله في الدولتين (دخل العمل ودخل الايجار) في الدولة ب و كذلك للضريبة على الدخل على مجموع نفس المداخيل(دخل العمل و دخل الايجار) في الدولة أ، وهو في هذه الحالة وقع في ازدواج ضريبي دولي قانوني
الحالة الثانية: إذا كان شخص مقيم في دولة ما و يحصل على دخل من دولة أخرى
إذا كان الشخص مقيما في دولة و يزاول عمله بها، و إضافة لذلك يملك مداخيل تحول له من دولة أخرى دون أن يقيم فيها، في هذه الحالة فإن مداخيله من الدولة الأخرى ستتعرض للضريبة مرتين مرة في الدولة التي تعتبر مصدر لهذه المداخيل باعتبارها حققت داخل اقليمها و مرة أخرى في الدولة التي يقيم فيها الشخص باعتبارها دولة الاقامة وتفرض على المقيمين ضريبة على مجموع مداخيلهم. مثال: لنفرض أن شخص مقيم في الدولة A وام بتوظيف أمواله عن طريق شراء سندات من شركة في الدولة B، في هذه الحالة سيخضع للضريبة كما يلي: - في الدولة A : والتي تعتبر موطن إقامته سيخضع للضريبة على مجموع مداخيله التي يحققها داخل و خارج الدولة A. - في الدولة B : فإن هذا الشخص سيخضع للضـريبة على فوائد السنـدات التي تحول له من الشركة الواقعة في الدولة B. و لهذا يتعرض دخل هذا الشخص المتأتي من فوائد السندات للازدواج الضريبي القانوني، فهو يدفع عليه ضريبة في بلد المصدر (مصدر الدخل) وفي بلد اقامته.
ب/ الازدواج الضريبـي الدولي الاقتصادي
يحدث الازدواج الضريبي الاقتصادي على المستوى الدولي عندما يخضع مكلفين مختلفين إلى نفس الضريبة أو ضرائب متشابهة مرتين أو أكثر بالنسبة لنفس الوعاء الضريبي و من طرف أكثر من دولة، و عليه فإن الازدواج الضريبي الاقتصادي لا يشترط وحدة المكلف بالضريبة حيث تدفع الضريبة من طرف مكلفين مختلفين لكن بالنسبة لنفس الأساس الضريبي مثال: إذا امتلك مكلف بالضريبة حصص أسهم أو سندات من شركة خارج بلده، هذه الأخيرة ستحول له الأرباح، في هذه الحالة سيخضع للضريبة على دخله الذي هو عبارة عن مداخيل رؤوس أموال منقولة (IRG(،
و نفس الأرباح قبل أن تحول له كانت قد دفعت عليها الشركة ضريبة على الأرباح (IBS (في البلد الآخر، و بالتالي ستكون نفس المادة قد خضعت لضريبتين متشابهتين و على نفس الوعاء و في نفس الفترة ، و لكن لم يدفعها نفس المكلف فمرة تحملتها الشركة و مرة تحملها الشخص
ثانيا :المعيار الثاني: الازدواج الضريبي الدولي المقصود و غير المقصود
أ/الازدواج الضريبي الدولي المقصود :
يكون الازدواج الضريبي الدولي مقصودا إذا ما اتجهت نية المشرع و إرادته إلى إحداثه ، وذلك لأهداف معينة منها:
- الحد من استيراد رؤوس الأموال الأجنبية وذلك إما لكفاية الأموال الوطنية أو لرفض استثمارها في . مشروعات قد ترى الحكومة أنه يجب تمويلها برؤوس أموال وطنية منع هجرة رؤوس الأموال الوطنية، نظرا للحاجة إليها في تمويل المشروعات الوطنية
. تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل في فرض الضرائب على بعض رعايا الدول الأجنبية.
ب/ الازدواج الضريبي الدولي غير المقصود :
في حالة فرض نفس الضريبة على دخل مؤسسة ما وعلى . و يمكن القول أن الازدواج الضريبي الدولي غير مقصود يتم بالنظر لوضع كل دولة لأحكامها فروعها الضريبية طبقا لظروفها المالية والاقتصادية الخاصة دون مراعاة التشريعات القائمة في الدول الأخرى خاصة فيما يتعلق بأساس فرض الضريبة و تحديد الواقعة المنشئة لها.
الفرع الثالث /أسباب حدوث الازدواج الضريبي الدولي:
إن ممارسة الدول لسيادتها الضريبية حتى خارج إقليمها، وفي ظل انتشار ظاهرة العولمة الاقتصادية و تشابك العلاقات الاقتصادية الدولية برزت مشكلة ازدواج ضريبي دولي، و يمكن التفصيل في الأسباب التالية:
أ/اختلاف معايير الإخضاع الضريبي:
ان الاختلاف المتجسد في تطبيق القانون الضريبي يمكن إرجاعه إلى اختلاف المبدأ المتبع في الإخضاع للضريبة بين الدول، حيث تختلف الدول في نوع المبدأ أو الأساس المعتمد عليه في الإخضاع للضريبة، و يمكن ذكر أبرز المعايير المعتمدة لتحديد الاخضاع الضريبي، في الضوابط التالية:
1/ ضابط الجنسيـة (التبعية السياسية):
تتبع بعض الدول رابط الجنسية كأساس للالتزام بدفع الضريبة، حيث تعتبر الجنسية رابطة قانونية بين الشخص والدولة تجعل الشخص بمركز تابع للدولة تقرر له الحقوق وتحمله التزامات، ودفع الضريبة يعد واحدا من بين تلك الالتزامات، بصرف النظر عن موطن إقامته، و بالنسبة لجميع مداخيلهم بصرف النظر عن مصدرها.
2/ ضابط الإقامــة (التبعية الاجتماعية):
و تحقق باستناد الدول إلى مبدأ التبعية الاجتماعية حيث يقر هذا المبدأ حق الدولة في فرض الضرائب على جميع المداخيل التي تؤول إلى الأشخاص الذين اتخذوا من الدولة موطنا لهم بصرف النظر عن مصدر هذه المداخيل . و يمكن استخدام مصطلح موطن التكليف للدلالة على مكان إقامة المكلف. وبمفهوم التشريعات الضريبية هو إقامة الشخص في مكان ما إقامة دائمية على وجه الاعتياد، وتتحقق الإقامة الفعلية إذا ما توافرت نية البقاء والاستقرار في ذلك المكان
. 3/ضابط المصــدر(التبعية الإقتصادية):
وينطوي هذا المبدأ على إقرار حق الدولة في فرض الضريبة على جميع المداخيل التي تنشأ داخل إقليمها بصرف النظر عن جنسية أو موطن إقامة الأشخاص الذين تؤول إليهم. يتخذ هذا المبدأ من مكان نشوء الدخل أو الربح أساسا للخضوع للضريبة، حيث يعتبر مكان نشوء الدخل أو الربح سببا كافيا لفرض الضريبة
إن اختلاف الدول في تطبيق المعيار المتخذ كأساس لفرض الضريبة ما بين اعتماد ضابط الجنسية بغض النظر عن إقامة الشخص، وبين اعتماد البعض الآخر على معيار الإقليمية القائم على أساس التبعية الاقتصادية بغض النظر عن مصدر الدخول والأرباح، ومنها من اتخذ من معيار الإقامة والموطن أساسا لتحديد خضوع الدخل أو الربح للضريبة من عدمه، وفي ظل تمسك كل دولة بمبدأ سيادتها الضريبية المطلقة فسيبقى هذا سببا رئيسيا مباشرا يؤدي إلى تحقيق الازدواج الضريبي الدولي غير المقصود، بخضوع المكلف بالضريبة لأكثر من ضريبة على نفس الوعاء لا لقصد وا لمعتمدة من قبل ٕ نما لاختلاف ضوابط الإخضاع الضريبي ا الدول
4/ تباين الشرائع الوطنية المختلفة في تفسير الاصطلاحات الفنية :
يقصد بذلك تباين الشرائع الوطنية المختلفة في تفسير الاصطلاحات في الميدان الضريبي ، وأفضل مثال على ذلك هو اختلافات التشريعات الضريبية في معظم الدول حول مجموعة من المفاهيم كالإقامة ، الموطن والمنشأة المستقرة، حيث تتباين الشرائع الضريبية الوطنية المختلفة في تحديد الموطن إذ يستند بعضها على فكرة الإقامة الرئيسية بينما يستند البعض
5/ تباين أسس التنظيم الفني للضرائب بين الدول :
أكثر الأسباب أهمية حيث تأخذ ببعض الدول النظام الشخصي الكلي في تأسيس ضرائب الدخل (الضريبة العامة على الدخل أو الضريبة على الدخل الإجمالي) و بعض الدول بالنظام النوعي (الضريبة عل الأرباح التجارية و الصناعية، الضريبة على المداخيل الفلاحية، الضريبة على المداخيل العقارية...) و تأخذ بعض الدول بنظام مركب بين النظامين السابقين، و هذا التباين بين الدول بولد ازدواجا ضريبيا حيث يخضع الوعاء الواحد إلى ضريبة نوعية في بلد المصدر، وضريبة عامة في . بلد الموطن.
الفرع الرابع /آثار الازدواج الضريبي الدولي:
على الرغم من مشروعية الازدواج الضريبي الدولي، الذي يستمد هذه المشروعية من حق السيادة الذي تتمتع بـه كـل دولة على مواطنيها وعلى الأجانب المقيمين في إقليمها وعلى الأموال والدخول المحققة داخلها، إلا أن ذلـك لا يخفي ما يترتب عنه من آثار سلبية متباينة الخطورة، سواءا كانت هذه الآثار على المستثمرين و المبادلات الدولية، أو على النظام الضريبي للدول في حد ذاتها، وسنحاول ادراج بعض الآثار المباشرة في النقاط التالية:
- عرقلة حركة انتقال رؤوس الأموال الأجنبية:
_يعتبر الازدواج الضريبي الدولي، عقبة أمام انسياب رؤوس الأموال الأجنبية إلى مختلف الدول للاستثمار فيها، لأن خضوع المستثمر لنفس الضرائب ، على نفس الدخل، في بلد إقامته، و كذلك في البلد الذي يمارس فيه نشاطا، سيؤدي إلى تراكم الضرائب المستحقة على نفس الدخل، و ثقل العبء الضريبي الذي يتحمله المستثمر، مما يؤدي إلى تقليص العوائد التي كان يأمل في تحقيقيها، الشيء الذي يجعل المستثمر يحجم عن إعادة استثمار تلك العوائد، و يكون عائقا أمام انتقال رؤوس الأموال بين مختلف الدول.
- هروب رؤوس الأموال ونزوحها: يؤدي الازدواج الضريبي الدولي إلى هروب رؤوس الأموال إلى الدول التي تفرض ضرائب أقل أو تنعـدم فيهـا الضرائب ، الأمر الذي ينجم عنه التوزيع غير المتوازن لرؤوس الأموال وتمركزها في مناطق معينة ما يـنعكس سـلبا علـى الدول الأخرى ويجعلها في حاجة إلى استثمارات ورؤوس أموال لتمويل مشاريعها وتغطية نفقاتها كمـا هـو الحـال بالنسـبة للدول النامية.
- النيل من مبدأ العدالة الضريبية:
إن الازدواج الضريبي الدولي يؤدي إلى توزيع عبء الضريبة توزيعا غيـر عـادل بـين الممـولين الذين يحققون دخولا خارج بلدانهم، و الممولين الذين يقتصر نشاطهم داخل حدود دولتهم، حيث تكون الأعباء الضـريبية التـي يتحملها الشخص المقيم في دولة و يحصل على دخل من الخارج نتيجة لاستثمار أمواله في دولـة أخـرى، أكبـر مـن تلـك الأعباء التي يتحملها شخص يحصر نشاطه داخل دولة . الإقامة
- تشجيع التهرب الضريبي :
إذ يمكن أن يقوم المكلفون بالضريبة، عند تحملهم لعبء ضريبي كبير، ناتج عن ازدواج ضريبي، بمحاولة التخلص من كامل أو جزء من الضريبة المستحقة عليهم، باستخدام العديد من الأساليب المشروعة و غير المشروعة، مما يؤدي إلى تخفيض حصيلة الضريبة.