المطلب الثاني: الآليات الدولية لمعالجة الازدواج الضريبي
إذا كانت الأنظمة الضريبية في مختلف دول العالم تحدد قواعد التجريم و العقاب على المخالفات الضريبية و تحدد الأشخاص المؤهلين لإثبات الجرائم الضريبية، و الجهات القضـائية و الإداريـة المختصة بالنظر في الغش الضريبي، فإن التعاون الدولي يعتمد آليات متعددة في مواجهـة ا لتهـرب الضريبي على النطاق الدولي، أهمها التنسيق الضريبي و معاملة المستمر الأجنبي بمثل ما يعامل بـه المستثمر الوطني( المساواة في المعاملة) والشفافية الجبائية والمصرفية وتبادل المعلومات و التعاون في مجال التحصيل الضريبي
الفرع لأول: التنسيق الضريبي والمساواة في المعاملة
أولا التنسيق الضريبي:
يمثل التنسيق الضريبي بين مجموعة من الدول أحد أهـم الوسـائل القانونيـة المبتكرة للحد من ظاهرة التهرب الضريبي الدولي، و يتمثل في تنسيق النظم و التشريعات الضـريبية بحيث تصبح متناغمة و متقاربة ، الأمر الذي يساوي بين مناخ الاستثمار في تلك الدول. و إذا كانت بعض الدول تسعى إلى استقطاب الاستثمارات الأجنبية عن طريق الحـوافز الجبائيـة الممنوحة للمستثمرين الأجانب فإن تنسيق السياسات الجبائية يؤدي إلى تحقيق ميزات اقتصادية عديدة، أهمها تحقيق التكامل الاقتصادي و تشجيع الاستثمارات المشتركة و تنميتهـا وفـق أدوات التنسـيق المتبعة
. ثانيا: المساواة في المعاملة:
تنص أغلب الاتفاقيات الجبائية الثنائية على ضمان المساواة في المعاملـة بين الأشخاص الطبيعيين والمعنويين لكلا الدولتين في مجال الخضوع للضريبة، فـلا يمكـن تحميـل المتعامل الأجنبي عبئا ضريبيا أكثر مما يتحمله الحاملون لجنسية الدولة الذين يوجـدو ن فـي نفـس الوضعية . من شأن احترام مبدأ المساواة في المعاملة تشجيع المستثمرين الأجانب على الاستثمار في الدول المضيفة التي تمكنهم قوانينها من تجنب الإزدواج الضريبي الذي ينشأ أساسا نتيجة اختلاف ضـوابط الخضوع للضريبة في الدولتين، فبعض الدول تعتمد ضابط الجنسية بينما تعتمد دول أخـرى ضـابط الإقامة ، أو ضابط مصدر الدخل، و من شأن هذا الاختلاف أن يرتب على المستثمر دفع ضريبتين على نفس الثروة أو نفس الدخل، و من جهة أخرى تتمكن الدولتين من تجنـب عـدم خضـوع المسـتثمر للضريبة في أي منهما نتيجة اختلاف الضابط أو المعيار الذي تفرض الضريبة على أساسه
الفرع الثاني : الشفافية الضريبية والمصرفية
أولا الشفافية الضريبية:
تعني الشفافية الضريبية تمكين المكلفـين من الاطلاع على القوانين و الأنظمة و التعليمات الضـريبية ، وذلك من شأنه أن يؤدي إلى زيادة قدرتهم في معرفـة مقدار الضريبة المفروضة على دخولهم. و تكمن أهمية الشفافية الضريبية فـي أنها وسيلة ناجعـة للحد من الفساد الإداري، حيــ ث إن موظف السلطة المالية ي لا مكنه التلاعب بمقدار الضريبة ، كما تخفض تكلفـة فرض الضريبة الناجمة عن اعتراض المكلـف على الضريبة المفروضة، و تعزز عنصر المسائلة و زيادة الثقة فـي الإدارة الضريبية مما يشجع على جلب ا لاستثمارات الأجنبية.
ثانيا: الشفافية المصرفية:
نتيجة تزايد الأعمال الجرمية العابرة للحدود و اتسـاع نطـاق المعـاملات الإلكترونية المرتبطة بتبييض العائدات الإجرامية أضحى مطلب الشفافية المصرفية ملحا لأجل حمايـة التعاملات الاقتصادية وتمكين الأجهزة الضريبية من تحصيل الضرائب المترتبـة علـى الثـروة والمداخيل. وكان من أهم ما سـعت لهذا الغرض عمدت أغلب الدول إلى سن قوانين الشفافية المصرفية إليه الاتفاقية النموذجية لمنظمة التعاون والتنمية في المجال الاقتصادي هو ضرورة تضمين الاتفاقيات الثنائية بنودا تتعلق بالشفافية المصرفية، بل وإتاحة تداول البيانات المصرفية المتعلقـة بالسـحب والإيداع والأرباح والمداخيل والفوائد والمبيعات بين الإدارات الضريبية على نطاق دولـي رغـم المعارضة التي يلقاها هذا الخيار من عدة دول كسويسرا
الفرع الثالث المساعدة الإدارية المتبادلة في المجال الضريبي:
نظرا للنقائص التي اعترت أغلـب الاتفاقيـات الثنائية المتعلقة بتجنب الازدواج الضريبي و الحد من التهرب الضريبي عملت منظمة التعـاون والتنمية الاقتصادية على إبرام اتفاقية المساعدة الإدارية المتبادلة في المجال الجبائي التي دخلـت حيـز النفاذ في 01 جوان 2011 واستوحت أغلب نصوصها من قانون الضرائب الأمريكي (فاتكـا) ، فكان من أهم بنودها تحديد نطاق المساعدة الإدارية المتبادلة، حيث حددت المادة الأولى من الاتفاقيـة نطاق المساعدة المتبادلة بين الإدارات الضريبية في تبادل المعلومات الضريبية والتفتـيش الضـريبي المشترك والتحصيل الضريبي وتبادل البيانات. وحددت المواد 5 6و 7و أساليب تبادل المعلومات بناء على الطلب أو بصورة تلقائية بمجرد استفادة المكلف من تخفيضات أو إعفاءات جبائية في إحدى الدول الأطراف في الاتفاقية، بينما تركـت المواد 9و 8 حرية الموافقة أو الرفض للتفتيش الضريبي المشترك إلى السلطات المختصة في كل دولة مراعاة لمبدأ السيادة الضريبية و إقليمية الضريبة و بالنظر لأهمية حماية المعلومات الخاصة للمكلف و أسراره التجارية والصناعية نصت الاتفاقيـة الإطارية على واجب حماية خصوصيات المكلف و عدم استغلالها إلا لأغراض جبائية بحتة