المطلب الأول : المبادئ الخاصة للقانون الجبائي الدولي
الفرع الأول: مبدأ السيادة الضريبية
أولا : تعريف السيادة الضريبية:
تتمتع كل دولة مستقلة بحق سن القوانين الخاصة بها في مختلف المجالات، وحق تطبيق هذه القوانين على اقليمها وهو ما يمنح سيادة تنظيم شؤونها الداخلية، ومن بين لك تتمته بسيادة ضريبية، والتي يمكن بيان مفهومها من خلال التعاريف الموالية: - يقصـد بالسيـادة الضريبيـة للدولـة سلطتها في وضع نظام ضريبي في إطار تشريعي أو قانوني، على يكون . هذا النظام مستقلا عن جميع الأنظمة التي يمكن أن تنافسه
– هي سلطة الدولة في فرض الضرائب و الرسوم على كافة الأنشطة التي تدر أرباحا داخل اقليمها، دون أن . تمتد هذه السلطة لدولة أخرى و إلا كان ذلك اعتداء على سيادة دولة أخرى
الضريبة شكل من أشكال إبراز و إظهار سيادة الدولة، فهي توضع و تحصل عن طريق السلطة أو الاجبار يتضح لنا من خلال هذا التعاريف السابقة أن السيادة الضريبية للدولة تقوم على إنشائها لنظام ضريبي مستقل عن باقي الأنظمة الضريبية للدول الأخرى، و بهذا فهي تعني السلطة القانونية المطلقة للدولة في سن تشريعه الضريبي وتطبيقه داخل اقليمها. و يعني هذا أن تقوم الدولة بسن قانونها الضريبي الخاص بها، وفقا لمصالحها وأهدافها ثم تطبق هذا التشريع الضريبي داخل اقليمها
. .ثانيا شروط السيادة الضريبية:
حتى تتمتع الدولة بسيادتها الضريبية يجب توفر بعض الشروط، نذكرها كما يلي:
1/إ نشاء نظام ضريبي: على أن يتميز هذا النظام بما يلي:
أن يكون النظام الضريبي للدولة مستقلا عن جميع الأنظمة الضريبية للدول الأخرى
. أن يتم و ضع هذا النظام من طرف الأجهزة المتخصصة للدولة
ضرورة وضع النصوص القانونية التي توضح كيفية فرض الضرائب على المكلفين به.
أن توجه الايرادات الضريبية المحصلة من هذا النظام لتمويل ميزانية الدولة و الجماعات المحلية
2/قدرة الدولة على تطبيق هذا النظام داخل ترابها:
أي أن السلطة الوطنية هي التي تملك الحق في تطبيق القانون الجبائي.
ثالثا : السيادة الضريبية في ظل العولمة:
في ظل انتشار ظاهرة العولمة و تبني أغلبية الدول لسياسة الانفتاح الاقتصادي، ارتفع حجم المبادلات التجارية وحركة رؤوس الأموال، الأمر الي ترتب عليه تعدد وتشابك العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدول بسبب حرية تنقل الأفراد وكذا وسائل الانتاج. وبالنظر لتمسك الدول بفرض سيادتها الضريبية، فإن ذلك سوف يؤدي إلى ظهور الكثير من المشاكل منها ثقل العبء الضريبي على المكلفين، وتعرضهم في أغلب الاوقات للازدواج الضريبي، و هو ما يحاول المكلف بالضريبة تجنبه عن طريق التهرب أو الغش الضريبي و بنطاق دولي كذلك. أي إما بدفع الضريبة في دولة وتجنبها في دولة أخرى أو التخلص منها في كلتا الدولتين بسبب ثقلها، وهذا يضر بمصالح الدولتين
. يمكن أن يكون للعولمة آثارا إيجابية كما يمكن أن يكون لها أثر سلبي على حصيلة إيرادات الدولة من الضرائب من جهة و على سيادتها وتشريعاتها الضريبية، وسنحاول ايجاز هذه الآثار في النقاط الموالية على أن يتم التفصيل فيها في المحاور المقبلة من هذه المحاضرات .
1/ تضحية الدول بجزء من ضرائبها و رسومها:
ويحدث هذا في بعض الدول التي اختارت أن تقلص من القيود الضريبية والجمركية في وجه التدفقات التجارية نحوها لتستفيد من مزايا هذه التدفقات، وهو ما حدث في الدول التي اختارت الانضمام لمنظمة التجارة الدولية (OMC)، وكذلك في الدول التي اختارت الانخراط في التكتلات والاتحادات الاقتصادية الدولية. ولكن تجدر الاشارة إلى أن اختيار هذه الدول من المؤكد يكون نابعا من قناعتها بأن المكاسب التي تحققها ستكون أكثر من تضحيتها التي قدمتها (التقليل من ضرائبها ورسومها)، فزيادة التدفقات التجارية ولاستثمارات نحوها في حد ذاته سيوسع حصيلتها من ضرائب أخرى.
2/ زيادة واتساع حصيلة الضرائب:
يتحقق هذا بسبب زيادة حجم المبادلات التجارية و زيادة حركية التعاملات الاقتصادية بين الدول بسبب انفتاحها، وهو ما يؤدي إلى زيادة الوعاء الضريبي بالنسبة للضرائب المتعلقة بهذا المجال، كفتحها الأبواب القانونية والتنظيمية أمام دخول الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة و فرض الضرائب عليها.
3/ التقليص من السيادة الضريبية:
إن افرازات العولمة فرضت على الدول الانخراط في تكتلات ومناطق تجارية و أسواق حرة، الأمر الذي قلص من سيادة هذه الدول في فرض الضرائب على المعاملات التي تتم في اقليمها، لأن دخولها في مثل هذه التكتلات سينتج عنه حتما قبولها بمبادئ ضريبية موحدة لتنظيم تلك المعاملات، و تخفيضها لبعض الضرائب والرسوم وهذا يقلل من فرض سيادتها الضريبية على اقليمها
4/التجارة و المعاملات الالكترونية :
شهدت التجارة الالكترونية نموا سريعا للغاية خلال السنوات الأخيرة، وهناك تغيرات عديدة ناجمة عن التجارة الالكترونية سوف تواجه مصلحة الضرائب بتحديات خطيرة تتمثل في التحول من المعاملات الورقية التي تسمح لمصلحة الضرائب بتعقب آثار هذه المعاملات كالفواتير مثلا إلى لمعاملات الافتراضية الرقمية التي تترك أثرا أقل مما يصعب تحديدها
5/ الازدواج الضريبي الدولي:
لأن خضـوع المكلـف لـنفس الضرائب على نفس الدخل في بلد إقامته والبلد الذي يمارس فيه نشاطه سيؤدي إلى تراكم الضـرائب المسـتحقة وثقل العبء الضريبي الذي يتحمله المستثمر، وهو ما سيعيق حركة الاستثمارات الأجنبية ويؤدي بالمستثمرين إلى التهرب من أداء الضريبة
/.6 التهرب الضريبي الدولي:
بفعل الازدواج الضريبي الدولي فإن المتعاملين الاقتصاديين سيحاولون التخلص من العبء الثقيل الملقى عليهم، عن طريق تهربهم من دفع الضرائب في بلد واحد أو كلا البلدين، بل تعدى الأمر إلى أن بعض الدول تستغل هذا الأمر في جعل حدودا كملاجئ و مستقبلات لهذا التهرب وهي الدول التي تسمى بالجنات الضريبية.
الفرع الثاني: مبدا الاقليمية الضريبية
انطلاقا من ممارسة الدولة لسيادتها الضريبية داخل اقليمها يمكن تحديد معنى اقليمية الضرائب كما يلي:
*خضوع كافة الأنشطة المنتجة للأرباح داخل الدولة للضريبة سواء كان القائم بالعمل وطنيا ام أجنبيا ويبرر الفقهاء هذا المبدأ بأنه الأيسر تطبيقا إذ من السهل على الدولة تطبيق القوانين الضريبية داخل حدودها وفرض الضريبة على الأرباح المتحققة على أراضيها حيث توفر الرعاية والأمن
* يقصد بها تطبيق التشريع و النظام الضريبي داخل إقليم الدولة و أن لا يتعداه إلى الدول الأخرى، فيخضع بذلك للضريبة كل شخص طبيعي أو معنوي داخل الدولة باعتبارها صاحبة السيادة على أراضيها.
ومما سبق يمكن القول أن مبدأ إقليمية الضريبية يقتضي أن تفرض الدولة ضرائب على جميع المتعاملين الطبيعيين والخواص المقيمين فيها
- جميع الأنشطة الممارسة على أراضيها - جميع الممتلكات المتواجدة في الدولة
- جميع المداخيل والأرباح المحققة داخل الدولة
ومبدأ اقليمية الضريبة ناجم عن استقلال الدولة وسيادتها فوق أراضيها، فكل دولة تنظر إلى مصلحتها في فرض الضريبة، ويثير هذا المبدأ أكثر من سؤال، لأنه يوجد استثمارات صناعية وتجارية وغير تجارية تمارس في أكثر من دولة، هذا ما يؤدي إلى تنازع ضريبي بين الدول من جهة وتعرض المكلفين لازدواج ضريبي من جهة أخرى