نشأة القانون الإداري:

- مرحلة عدم مسؤولية الدولة (ما قبل الثورة الفرنسية):

في هذه المرحلة كان للملك سلطات واسعة من بينها السلطة القضائية، و لم يكن يخضع لأي نوع من أنواع الرقابة حتى القضائية، مما جعل هذه المرحلة تتّسم بانتشار الفساد الإداري و القضائي، نتيجة تدخل المحاكم القضائية في أعمال السلطة الإدارية وعرقلتها للإصلاحات الإدارية المقررة مستغلة ضعف اهتمام الملك بالإدارة وانشغاله بالصراعات الداخلية (5)[1]. كما تميزت المرحلة بتولد صراع بين الملك و رجال الدين و كذا النبلاء، و من أجل تهدئة الأمور قام الملك بإنشاء برلمان قضائي بيد النبلاء لامتصاص غضبهم شكليا فقط .

- مرحلة الإدارة القاضية (1789):

في هذه المرحلة قامت الثورة الفرنسية للمطالبة بإنهاء الحكم الملكي و تطبيق النظام الجمهوري كما منعت السلطة القضائية من التدخل في أعمال السلطة التنفيذية و إلا يعدّ ذلك خيانة عظمى و تعدّ على صلاحيات السلطة التنفيذية.

و لذلك كانت المنازعات التي تكون الإدارة المركزية طرفا فيها تحال للملك، بينما المنازعات التي تكون الإدارة المحلية طرفا فيها تحال إلى حكام الأقاليم.

و لهذا أصبحت الإدارة في هذه المرحلة حكما و خصما في نفس الوقت، و لنا أن نتصور الأحكام التي كانت تصدرها نتيجة الفهم الخاطئ لفكرة الفصل بين السلطات.

- مرحلة القضاء المقيّد أو المحجوز(1872):

جاءت هذه المرحلة بعد الانقلاب الذي قام به نابليون بونابرت و توليه حكم فرنسا. حيث عرفت هذه المرحلة إنشاء مجلس الدولة خلفا لمجلس الملك، و كان للمجلس المنشأ رأي استشاري فقط و لم يكن لع طابع قضائي، كما كانت آراءه ترفع للحاكم للمصادقة عليه.

و بالتالي عرفت هذه المرحلة ازدواجية قضائية شكلية دون رأي، بالإضافة إلى أن مجلس الدولة كان يعتمد في إبداء رأيه على أحكام القانون الخاص.

- مرحلة القضاء المفوض أو البات(قانون 24 ماي 1872):

في هذه المرحلة أصبح لمجلس الدولة السلطة الكاملة في الفصل في المنازعات الإدارية دونما حاجة لمصادقة رئيس الدولة، بل و أصبحت قراراته نافذة و تشكل أحكاما قضائية، و رغم عدم وجود قانون إداري إلا أن مجلس الدولة كان يؤسس أحكامه على روح القانون العادي و متطلبات السير الحسن للمرفق. و فصل في ذلك بين الأعمال السيادية للدولة و الأعمال الإدارية.

كما عرفت هذه المرحلة إنشاء محكمة تنازع الاختصاص بين مجلس الدولة و القضاء العادي، تحت رئاسة وزير العدل وعضوية مستشارين من محكمة النقض و مستشارين من مجلس الدولة منتخبين بواسطة زملائهم (6)[2].

- قرار بلانكو و محكمة التنازع:

تجسّدت الأحداث في قضية تمّ رفعها من طرف وليّ فتاة يطالب فيها بالتعويض عن الضرر الذي تسببت فيه سيارة تابعة لوكالة التبغ أمام القضاء العادي، فرفضت الوكالة و اعتبرت النزاع من اختصاص مجلس الدولة.

رفع النزاع أمام محكمة تنازع الاختصاص و فصلت المحكمة في الأمر و أسندت الاختصاص لمجلس الدولة على أساس مسؤولية الدولة عن الأضرار التي تسببها للأفراد لا يمكن إخضاعها للقانون المدني.

و هذا الحكم هو إقرار بضرورة وجود أحكام قانونية تتماشى و النشاط الإداري و هي قواعد القانون الإداري (7)[3]