1.مفهوم الحكم الراشد
 التعريف اللغوي
ينقسم هذا المصطلح إلى شقين هما:
الشق الاول: الحكم؛ وهو لفظ مأخوذ من الفعل "حكم"، بمعنى قضى، وهو مرادف للهدى والسواء والصواب، كما أنه عكس التيه والضالل، فحكم حكما، صار حكيما وتناهى عما  يضره،
و له عدة معانى لغوية في قواميس اللغة العربية، 
الشق الثاني: الرشد؛ عرفه القاموس المحيط بأنه الاستقامة وحسن التقدير والسداد في الرأي،  بمعنى التعقل والعقلانية والتدبير الجيد للأمور والاصل اللغوي للحكم الراشد مأخوذ من الكلمة اليونانية kubernal، والتي تعني حكم الافراد وتسييرهم، ثم من اللغة اللاتينية بعد ذلك، أي من كلمة gubernare وتعني قيادة ، ثم انتقلت الى اللغة الفرنسية في القرن الثالث عشر كمرادف لمصطلح "الحكومة" Gouvernement، ثم أصبحت gouvernance ومنها جاءت كلمة « good governance الانجليزية اللغة وفي ، »bonne gouvernance »

التعريف الاصطلاحي

يــعــرف البنك الدولي 1992 الحكم الر اشد بأنه: "أسلوب ممارسة القوة في ادارة  الموارد الاقتصادية والاجتماعية للبلاد .

وضع برنامج الامم المتحدة الإنمائي 1997 مفهوما أكثر شمولا للحكم الراشد كما يلي: "هو ممارسة السلطة الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شؤون الدولة والمواطنون ويشمل الآليات والعمليات والمؤسسات التي من خلالها يمارسون حقوقهم القانونية ويوفون بالتزاماتهم ويقبلون الوساطة لحل خلافاتهم 

وفقاً لتقرير التنمية الانسانية العربية  فان الحكم الراشد أو الصالح: "هو الحكم الذي يعزز ويدعم ويصون رفاه الإنسان، ويقوم على توسيع قدرات البشر وخيا ارتهم وفرصهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويسعى إلى تمثيل كافة ّ فئات الشعب تمثيلا كاملا وحر لا سيما الاكثر فقرا وتهميشا، وتكون مسؤولة أمامه لضمان مصالح جميع أفراد الشعب".

2.أبعاد الحكم الراشد تتفاعل ثالثة أبعاد أساسية فيما بينها وترتبط ارتباطا وثيقا، لتحقيق وتجسيد نموذج فعال للحكم الراشد وهي:

- البعد السياسي ويتعلق بطبيعة السلطة السياسية أو النظام السياسي وشرعيته؛ من حيث اختيار ممثلي الشعب والمسؤولين عبر الانتخابات الحرة والنزيهة والديمقراطية.--

- البعد الاقتصادي و الاجتماعي ويتعلق من جهة بطبيعة السياسات العامة في المجال الاقتصادي والاجتماعي، وبخصائص المجتمع المدني وحيويته و ارتباطه أو استقلاله عن الدولة، وتأثير ذلك على الموطنين، من حيث مستوى المعيشة، مثل العدالة الاجتماعية في التنمية أو الفقر والتهميش...الخ.

 - البعد التقني أو الفني ويتعلق بأداء الإدارة ات المختلفة وكفاءتها وفاعليتها وطرق تسييرها، ومدى اعتمادها على معايير النزاهة والاستحقاق والشفافية والمحاسبة و تطبيق مبادئ حوكمة المؤسسات.

3.أطراف الحكم الراشد للحكم الراشد ثالث فواعل أو أطراف منظمة و مهيكلة في شكل تنظيمات وهيئات، تتكفل بتجسيد وتفعيل تلك القواعد والأسس التي بني عليها الحكم الراشد، كشركاء في عقد اجتماعي ثالثي، وهذه الفواعل هي:

-الحكومة أو المؤسسات السياسية والقانونية وأجهزة الدولة الإدارية المختلفة المستويات، كالوزارات وما يتبعها والبرلمان وجهاز العدالة والولاية والبلدية ومجالسهما... لكن مع ضمان الحد المطلوب من الاستقلالية والفصل بين السلطات، وتوفير المناخ الديمقراطي والعدالة والمساواة أمام القانون والشفافية... وبالتالي فهذا الفاعل الأول يمثل البعد السياسي في الحكم الراشد

  • القطاع الخاص يتمثل في مجمل المؤسسات والشركات الاقتصادية والتجارية والخدماتية، التي تضمن عملية انتاج السلع وتوفير الخدمات المختلفة التي يحتاجها المجتمع. والقطاع الخاص مكمل هام للقطاع العام، يقوم على حرية الفرد وروح المبادرة في انشاء المشاريع، وبالتالي فهذا الفاعل يمثل البعدين الاقتصادي والتقني.
  • - المجتمع المدني وهو مجموعة التنظيمات والاتحادات والجمعيات التي تمثل المواطنين، وتجمعهم في اطار منظم واحد له اهتمامات وأهداف مشتركة، من خلالها تعمل على الدفاع على حقوقهم وتفاوض من أجلها، وهي اللسان الناطق باسمهم، كما تمثل أداة المشاركة والاقتراح سواء أمام السلطات العمومية أو قوى السوق. وهذا الفاعل هو الذي يجسد الى حد كبير الجانب أو البعد الاجتماعي في الحكم الراشد، بمعنى آخر يمثل مجموع المواطنين بمختلف شرائحهم وفئاتهم وطبقاتهم

    3- قواعد و مبادئ الحكم الراشد:

    3-1- مبدأ الفصل بين السلطات: و هو أحد المبادئ الدستورية الأساسية التي تقوم عليها الأنظمة الديمقراطية. و هذا المبدأ يعني توزيع وظائف الحكم الرئيسية على هيئات ثلاث :هي السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية و السلطة القضائية، حيث تستقل كل منها في مباشرة                  وظيفتها.فالسلطة التشريعية تشرع القوانين و السلطة التنفيذية تتولى الحكم و الإدارة و تسيير أمور الدولة ، ضمن حدود تلك القوانين، أما السلطة القضائية فتهدف إلى تحقيق العدل تبعا للقانون.

    لكن هذا الفصل لا يعني الفصل التام بين السلطات إنما لابد من وجود توازن و تعاون بين هذه السلطات ، و احترام كل سلطة للاختصاصات الوظيفية المنوطة بالسلطة الأخرى ، و من الضروري وجود رقابة متبادلة بين السلطات الثلاث بما يحقق حماية لحقوق و حريات الأفراد.

    3-2- استقلالية القضاء: يهدف مبدأ استقلالية السلطة القضائية في أي نظام دستوري إلى تحقيق العدالة في أقصى صورها.كما أن هذا المبدأ مرتبطا إلى درجة كبيرة بحماية حقوق و الحريات في العالم المعاصر.لذلك أصبحت له أهمية كبيرة تطلبت من المشرع الدستوري التدخل لمحاولة حمايته و تعزيزه بأكبر الضمانات الدستورية و القانونية الممكنة.

    3-3- المجتمع المدني: يستطيع المجتمع المدني أن يساهم مساهمة فعالة في تجسيد الحوكمة  باعتباره يتكون من مؤسسات غير حكومية ، كنقابات المهنية و الجمعيات ذات الطابع الثقافي       و الأحزاب السياسية غير ممثلة في مؤسسات الدولة و الجمعيات الخيرية و غيرها، و يمكن أن يساهم هذا المجتمع في توجيه الرأي العام و خلق الوعي الاجتماعي بضرورة حماية الطبقات الهشة من المجتمع و الدفاع عن الفئات المحرومة و الهشة ، و إدماج الشباب في مسارات التنمية و تنظيم المهن المختلفة.

    بالإضافة إلى ذلك يستطيع المجتمع المدني أن يكون مراقبا لأداء و عمل الأجهزة الرسمية عند قيامها بالسياسة العامة ، و الذي يتطلب اعتماد مبدأ الشفافية في كل مجالات تدخلها ، و هكذا يمكن أن تتحول هذه المنظمات المدنية الى منظمات تنموية تساهم في تطوير المجتمع و ترقيته.

    3-4- استقلالية وسائل الإعلام:نقول عن وسائل الإعلام- المقروءة و المسموعة و المرئية–المستقلة ، على أنها تلك التي تستقل عن سيطرة الحكومية أو السياسية أو الاقتصادية ، أو عن سيطرة المواد و المعدات اللازمة لإنتاج و نشر و تصوير . على أن يكون ذلك في إطار ضوابط           و قوانين التي لا تضر بالحريات العامة و الخاصة و حقوق الأشخاص و الجماعات القانونية       و المدنية.

    3-5- تقوية آليات الشفافية و المراقبة و المحاسبة:و التي تتمثل في التالي:

    أ- آليات  المساءلة الخارجية الرسمية:المساءلة البرلمانية و التنفيذية و القضائية

    ب- آليات المساءلة الخارجية الغير رسمية:مساءلة الجماعات الظاغطة-جمعيات المجتمع المدني- وسائل الإعلام و الاتصال.

    ج- آليات المساءلة الداخلية الرسمية:قواعد السلوك-الأنظمة المرتبطة بالمسؤولية –أجهزة المراقبة الإدارية.

    د- آليات المساءلة الداخلية الغير رسمية:مختلف أساليب الثقافة التنظيمية-أخلاقيات المهنة- ضغط الزملاء.

    و أخيرا لا يمكن تطبيق نظام و آليات الشفافية و المراقبة و  المحاسبة في غياب أمرين جوهريين متلازمين معهم و مرتبطين بهم و هما:الشفافية و حكم القانون أي مساواة أما القاعدة القانونية.

    3-6- المشاركة المجتمعية في الرقابة الأهلية و حقوق الإنسان و المواطنة:تعد المشاركة المجتمعية سواء افردا أو جماعات كجمعيات المجتمع المدني من صفات الحوكمة فهي في مراقبة أعمال السلطة الحاكمة المتمثلة في الحكومة و السلطات المحلية

     

Last modified: Friday, 20 December 2024, 7:02 PM